جراحة ترقيع القرنية ورطة أو نجاح
عندما تمرض قرنية العين بسبب الالتهابات المتكررة, أو الجروح, أو الحروق, أو الأذيات الكيمائية, أو بسبب تغيرات موروثة في العين, ينعدم صفاؤها ويتغيم سطحها ويذهب بريقها ويصبح لونها غائما مبيضا, أو تظهر عليها لطخات أو لقطات بيضاء, قد تعمى العين بسببها. الوجه المشرق هنا أن ذلك العمى قابل للشفاء وذلك بإجراء عملية رأب القرنية أو ترقيعها, ويكون بزرع قرنية تؤخذ من ميت حديث الوفاة فتستبدل بها القرنية المريضة. وعندما تأسس بنك العيون في مستشفى الجامعة الأردنية عام 1979م, وشرفت بالمشاركة في نشاطاته, كأستاذة لطب العين وجراحتها في كلية الطب, كانت عملية ترقيع القرنية النافذ, هي الخيار الوحيد لتصحيح قصورات البصر الناجمة عن أذيات القرنية في الأردن, وكان مرض القرنية المخروطية keratoconusهو الأكثر استطبابا في ذلك الوقت بالرغم من تحذير المراكز الجراحية العينية في العالم أجمع بضرورة محاولة اللجوء للعدسات اللاصقة أولا فهي الأفضل إذا تحملها المريض ونجح في استعمالها. ولكن حماسة المرضى والأطباء الطاغية لأجراء عمليات زراعة القرنية أو " تبديل القرنية" كانت هي الغالبة. فأجريت مئات العمليات. لكن عندما ظهرت عورات تلك الجراحة وبخاصة في حالات القرنية المخروطية, إذ كثيرا ما يتراجع البصر ويضعف بعد نزع الخيوط الجراحية القرنية بسبب الحرج البصري الشديد الذي يطرأ على القرنية وهو ما يسمى الأستغمتزم أو اللابؤرية. فيعود البصر ضعيفا ولا تستطيع النظارة تصحيح البصر. أو حين يرفض الجسم الطعم القرني ويحدث التهاب شديد في العين بسبب التفاعل المناعي وتعود القرنية مبيضة غائمة فتسوء حدة البصر وتصبح أقل مما كانت عليه قبل العملية ويصبح الأمر مثبطا هنا يستدعي الأمر التريث والتخير والأقتصاد في عمليات ترقيع القرنية بعد أن ثبت أنها ليست دائما الملاذ الجراحي الآمن الموثوق, فالقرنية تؤخذ من عين إنسان متوفى وتزرع في عين انسان آخر حي يحتاجها وقد لا يتحملها الجسم, فيعاملها كطعم أو جسم غريب ويحاول رفضها في أي مرحلة بعد زرعها فتحدث الالتهابات المتكررة في العين وتتطلب معالجات وإجراءات حاسمة وقد تفقد القرنية شفافيتها فتعود أسوأ مما كانت عليه قبل العملية. مع أن القرنية خالية من العروق الدموية وأن حالات الرفض هي أقل مما يحدث في نقل الأعضاء الأخرى. إذن فإن إجراء جراحة ترقيع القرنية النافذة جيد ومستحسن في العيون ذات القرنيات المريضة التي زال صفاؤها وظهرت عليها ندبات بيضاء تسمى اللقطة. وكذلك تُختار الحالات المتقدمة من تمخرط القرنية والتي لا تفيد فيها العدسات اللاصقة ولا جراحة تثبيت القرنية فتستطب فيها زراعة أو رأب القرنية. ولعل تثبيت العدسات اللاصقة النفوذة للغازات هو الأكثر سلامة وأمانا والأقل كلفة مادية وأضمن ثباتا ومصداقية في تصحيح البصر, فقد تتحسن حدة البصر فتصبح 6/ 6 ويتمتع المريض ببصر قوي سوي دون ازعاج لسنوات طويلة. ولقد تقدمت تكنولوجيا صناعة العدسات اللاصقة وبخاصة منها التي تصحح القرنيات المخروطية تقدما رائعا كما توسعت استطباباتها فأصبحت تصنع من مادتين مختلفتين أي ثنائية المصدر الكيميائي الفيزيائي أوما يسمى hybrid فالقسم المركزي منها يكون صلبا يصنع من مادة ميثيل ميثاكريليت, والقسم المحيطي لين طري يصنع من مادة هايدروكسي إيثيل ميثاكريليت. فأصبحت سهلة التحمل يستطيع المريض ابقاءها في العين ساعات طويلة دون ان يتغيم البصر أو تحمر العين أو تتألم أضف الى ذلك تصحيح البصر بشكل رائع.
أما ما ذكر عن عمليات تثبيت القرنية أو ما يسمى الترابط المتصالب " "crosslinking ففيها يسخر فيتامين ب2 المسمى ريبوفلافين فيوضع على القرنية التي أضيف لها قطرات مخدرة سطحيا ثم أزيلت طبقتها الأبثليالية (الظهارية) ليحسسها ثم تعرض القرنية للأشعة فوق البنفسجية لفترة من الزمن ثم تغطى القرنية بعدسة لاصقة لينة. فهذه العملية تغير من تنضد طبقات الكولاجين في القرنية فبعد أن كانت طبقات الكولاجين تتراتب فوق بعضها على نمط تعامدي متناوب وهذا يسهل انزلاقها ويمكن من فصل بعضها عن بعض أصبحت تتداخل فيما بينها على شكل الحصير والنتيحة المحصلة ان يتحسن البصر جزئيا ولو بعد عدة شهور وقد تبقى حدة البصر عاى حالها ولكن تصبح القرنية أقوى وأمتن وأعصى على التغير والتنكس والتمطط والبروز فلا تتراجع وتعنو للتغير المستمر. وعندها يمكن تصحيح البصر بالنظارات الطبية أو بالعدسات اللاصقة. وهذه العملية يمكن اجراؤها للأطفال المصابين بالقرنية المخروطية بعد سن العاشرة من العمر فتؤمن لهم بصرا معتدلا مستقرا وتوفر عليهم سنوات من تقلب البصر وتراجعه وفي ذلك ما فيه من تأثيرات تنعكس على نمو الطفل العقلي والنفسي والتحصيل العلمي والوضع الاجتماعي, وكذلك تجرى عملية التثيست هذه للقرنيات التي اجري لها عملية تصحيح البصر بالليزر وحدث بها اختلاط توسع في القرنية وتمطط أضعف البصر وسبب اضطرابه واختلال الرؤية, فعملية الترابط المتصالب تقوي القرنية وتحسن البصر.
وقد تطورت عملية ترقيع القرنية أيضا في هذا الزمن ففي بعض الحالات لا يستبدل من القرنية المريضة الا الطبقات الكولاجينية الأمامية منها إن كانت الطبقات الخلفية العميقة فيها سليمة وتسمى DALK, وكذلك قد لا يستبدل من القرنية الا الطبقات العميقة الخلفية وتسمى DSEK أو DMEK حسب ما يرقع فيها من غشاء ديسيمت مع الطبقة الإندوثليالية إن كانت اللُّحمة الكولاجينية في الطبقات السطحية الأمامية منها سليمة, وبذلك تقل الأختلاطات وتتراجع حالات الرفض وتقل درجات الأستغمتزم أو اللابؤرية ويؤمن نجاح عمليات القرنية ويعود المريض سوي البصر.
الأستاذة الدكتورة سُرى سبع العيش
مستشارة طب العين وجراحتها